الحمل والطفل
pregnancy

1
من يجهز جيش العسرة وله الجنة؟
دوت الكلمة من فم الحبيب – صلى الله عليه وسلم – وانتشرت في أرجاء المدينة .. الجنة! يالها من غاية. إن جموع الصحابة – من المهاجرين والأنصار – الذين اجتمعوا حول النبي منذ بداية البعثة حتى الآن لم يفعلوا كل ما فعلوه مع الدعوة إلا لأجل هذه الكلمة: ... الجنة.
ربما كان الاختبار سهلًا وهينًا لو كان الوقت غير الوقت أو الحال غير الحال .. فهذا وقت قطف الثمار، وقد بدأت تنضج على الأشجار والنفس تهفو إلى جنيها وبيعها والاستمتاع بمالها، ولكن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر بالخروج للقاء الروم .. أمر بالخروج في أشد لحظات العام حرًا وقسوة وحاجة .. كانت تلك غزوة تبوك .. الغزوة التي فضحت المنافقين وخاصة في الإنفاق في سبيل الله.
ولكن، كيف الخروج ولا يوجد مال كاف في المدينة؟ فالثمار مازالت بعد على أشجارها، والمدينة تمر بأيام ضيق وقحط، حتى أن النبي اشترط على من يخرج أن يكون له ظهر (أي ما يركبه في الرحلة الطويلة)، ولم يتبق إلا دعوة النبي أصحابه للتبرع بتجهيز جيش تبوك، أو كما قال صلى الله عليه وسلم عنه: جيش العسرة. لذلك وقف النبي على المنبر ونادى:
من يجهز جيش العسرة وله الجنة؟
جيش؟ تجهيز جيش بأكمله؟
لكي تتخيل الوضع لحظتها يجب أن تعرف أن الجندي وقتها في جيش النبي لا يملك إلا سلاحه – وبعضهم لا يملك هذا السلاح – ويحتاج إلى دابة تقله، وطعام يكفي الرحلة ذهابًا على الأقل، ودرع، وكافة ما يتزود به المسافر للحرب. من يقدر على هذا؟
من وسط المسجد يقوم رجل واحد يهتف بحماسة: عليّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها (أي بكل ما تحتاجه الدابة وما يُحمل عليها). فرح رسول الله بمبادرة عثمان الكريمة، ودعا له بالمغفرة. ولكن ماذا تفعل مائة بعير والجيش قوامه 30 ألف مقاتل؟ فسأل النبي مرة أخرى: من يجهز جيش العسرة وله الجنة؟
مرة أخرى .. يقف عثمان السخَّاء بالخير فيهتف: عليّ مائتين بعير بأحلاسها وأقتابها!!! (بالمناسبة، مائتين غير المائة الأولى).
ماذا يفعل هذا الرجل؟ لو كان يبغي السبق فلا منافس له في المسجد، فلم يقم أحد غيره ليعرض ما عرض. ولو كان يبغي الفخر، لكفته المائة الأولى فخرًا.
عثمان – رضيَ الله عنه وأرضاه – رجل متجرد تمام التجرد لله .. يرى أن أمواله كلها التي رزقه الله بها هي مجرد عارية أعارها الله إياها وله الحق في استردادها وقتما يشاء، وقد جاء هذا الوقت في ساعة العسرة.
يدعو رسول الله لعثمان بالمغفرة، ولكن مازال هناك حاجة للمزيد، فينادي في المسجد يستحث: من يجهز جيش العسرة وله الجنة؟
فمن يقف ليعرض ماله؟ عثمان الجواد مرة أخرى: عليّ ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها .. فلم يتمالك النبي نفسه من الفرحة فهتف: ما ضر عثمان ما فعل بعد ذلك. ولم ينطقها رسول الله لأحد غير عثمان.
فهل يكتفي عثمان؟ المنطق يخبر أن اكتفي .. قد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر من ذنبك .. اكتف واحفظ البقية الباقية من مالك .. لا .. فهو عثمان بن عفان، وقد انتهت بالنسبة له صدقة العلن، وجاء وقت صدقة السر .. فجاء إلى الحبيب يخبره: يا رسول الله علي بتسعمائة بعير بأحلاسها وأقتابها وخمسين فرس ومزيد يا رسول الله وسبعمائة أوقية ذهب وعشرة آلاف دينار .. فلم يكف النبي شيء من هذا كله إلا أن قال: اللهم أغفر لعثمان ما قدم وما أخر.
ليس هذا هو الموقف الوحيد المشرف لعثمان للإنفاق في سبيل الله، فقد قام بتوسيع المسجد النبوي ليسع العدد المتزايد من المسلمين، واشترى بئر رومية من اليهود ووهبه للمسلمين، وتصدق بقافلة كاملة مليئة بالطعام للمسلمين أيام القحط .. هذا هو عثمان.
الآن الأمة تعاني أكثر مما كانت تعاني أيام كان هناك عثمان بن عفان .. فهل من عثمان للأمة الآن؟

إرسال تعليق

 
Top